لبنــان وبقايــا الإجتيــاح الإسرائيلــي عــام 1982.
د.نسيب حطيط
في 6 حزيران 1982،اجتاحت القوات الإسرائيلية الأراض اللبنانية ،متجاوزة القوات الدولية في الجنوب،واحتلت أول عاصمة عربية(بيروت)،وارتكبت المجازر الوحشية،مباشرة أو بواسطة عملائها وحلفائها اللبنانيين،وكانت مجزرة( صبرا وشاتيلا)، أبشع المجازر وأكثر وحشية عندما قتلت إسرائيل وعملائها أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني ولبناني من الشيوخ والنساء والأطفال،وترتب على هذا الغزو-الإجتياح نتائج سياسية وعسكرية وديموغرافية، لا زالت تداعياتها ومؤثراتها تطبع الحياة اللبنانية، خصوصا البقايا السياسية والأمنية والإعلامية ،للإجتياح الإسرائيلي، وكانت النتائج المباشرة للإجتياح:
- إخراج المقاومة الفلسطينية وقيادتها إلى تونس.
- تنصيب رئيس جمهورية لبناني في ظل الإحتلال.
- توقيع إتفاق17 أيار وإلغائه تحت وطأة الإعتراض اللبناني.
- قيام نظام سياسي وأمني لبناني منسجم ومنفذ للإملاءات والتهديدات الإسرائيلية ،انتهت مفاعيله المباشرة في إنتفاضة 6 شباط 1984.
- تأسيس جيش(لحد)المتعامل مع إسرائيل.
- إنطلاق المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان.
ولم يبق من نتائج الإجتياح إلا قوتان متناقضتان في الهدف والمنطلقات،حيث بقيت المقاومة وبقيت بقايا الإجتياح من قوى سياسية وأمنية مع فارق في الفاعلية والأفاق المستقبلية.
المشكلة في لبنان،أن المبدأ(الرمادي)هو المسيطر على كل المستويات السياسية والإقتصادية وغيرها،وغياب المصطلحات الواضحة والمواقف الواضحة،وتحديد العدو والصديق،بحيث تصبح قوى المقاومة للإحتلال متساوية في الحوار الوطني مع القوى التي تحالفت مع إسرائيل سابقا وبشكل علني ولا تبدي عدائها صراحة له وتصفها بالجارة الآن،وبالتالي يصبح التعاون مع إسرائيل وجهة نظر،لا تتناقض مع الإنتماء الوطني،بل ويصبح المقاوم متهما في وطنيته من قبل متعاون مع إسرئيل الذي ينصب نفسه حاكما وقاضيا بل ويوزع البطاقات الوطنية على الناس ويتهم الآخرين.
في اللحظة التي يحتفل فيها اللبنانيون بالعيد العاشر للمقاومة والتحرير بعد تحرير معظم الأرض المحتلة،و حصار اليد الإسرائيلية العميلة،فإن بعض اللبنانين ما زالوا تحت وطأة (ثقافة العمالة)المقنعة سياسيا،وبالتالي فإن التحرير لن يكتمل إلا بعد حسم تعريف مصطلح(العمالة)ومصطلح(الإنتماء الوطني)بشكل واضح، ولا يمكن أن تكون البقايا السياسية للإجتياح الإسرائيلي،كنسخة منقحة لحكومة(فيشي) في فرنسا،تحظى بالقبول السياسي في لبنان،حيث يرفع العملاء صوتهم لرفع الظلم عنهم و يطالبون بالعدالة ،حيث يحاكمون لأنهم يعطون المعلومات الميدانية عن المقاومة وبعض سلاحها لمصلحة العدو الإسرائيلي،بينما تقوم بعض القوى السياسية بحصار المقاومة والمطالبة بنزع سلاحها كليا،وتطلق التصريحات السياسية التي تهدد الوحدة الوطنية في اللحظات المفصلية، وتكافأ سياسيا واداريا، والعفو عنه ،والإعتراف به كمكون سياسي لبناني له نفس الحقوق واكثر ولايقوم بأي واجب وطني سوى الترويج للإحتلال وتشويه المقاومة وإقلاقها ،ويتحول كلامها حجة ودليلا للعدو ضد المقاومة وعدم تأييدها داخليا،ويجعل المقاومة بين مطرقة العدو وسندان(بقايا الإحتلال).
لذا فإنه من الواجب الوطني،تنقية الساحة الداخلية اللبنانية من الأصوات التي تبرر الإعتداءات الإسرائيلية وتعمل لتبرئة إسرائيل ،ويستغرب أهالي الشهداء والمتضررون من الإعتداءات الإسرائيلية أن لا تبادر الأجهزة المختصة لإعدام العملاء والتحضير لمواجهة التهديدات الإسرائيلية ،فكما تعمل إسرائيل لرفع مستوى جهوزية الجبهة الداخلية وآخرها مناورة(تحول4)،يجب تحضير الساحة الداخلية اللبنانية للمواجهة وفي مقدمتها حصار البقايا السياسية والأمنية التي يمكن أن تشكل طابورا خامسا للإحتلال عند أي حرب مقبلة...
عوائل الشهداء والوطنيون يسألون... متى يصبح لبنان حرا محررا من الإحتلال... وبقاياه؟!.
بيروت في 31/5/2010 سياسي لبناني